الحملة الفرنسية على مصر

لماذا فكرت فرنسا في احتلال مصر !!!
في اواخر القرن الثامن عشر بلغت الدوله العثمانيه درجه كبيره من التدهور والضعف ، واكبر دليل علي هذا هو عجز العثمانيين عن التصدي لاول غزو اجنبي تتعرض له مصر وهي الحمله الفرنسيه .
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر شهدت الدوله العثمانيه نتيجه لضعفها الكثير من حركات التمرد عليها ، واستقلال كثير من الولايات التابعه لها وتحولت التبعيه من تبعيه فعليه الي تبعيه اسميه ، وقد استغلت دول اوربا هي الاخري هذا الضعف ، وبدات في توجيه هجمات الي ولايات الدوله العثمانيه ، ومن اهم هذه الدول الاوربيه النمسا وروسيا وفرنسا .
ان توجيه حمله عسكريه من جانب فرنسا الي مصر ،لم يكن مشروعا جديدا وانما كان مشروع قديم طرح اكثر من مره علي الحكومه الفرنسيه لكن الظروف لم تكن مناسبه لمثل هذه الخطوه ، ولكن عندما طرح سنه 1798 م علي الحكومه الفرنسيه كانت الظروف مناسبه لتوجيه الحمله مستغلين ضعف الدوله العثمانيه .

والحمله الفرنسيه هي اول حمله استعماريه توجه الي قلب العالم العربي ، وقد كانت هذه الحمله بمثابه صدمه للمصريين ادركتهم مدي حاله الجمود والتخلف التي كانوا عليها ومدي الازدهار والتقدم التي وصلت اليه اوربا .
ولقد بدأت دول اوربا طريقها نحو التطور والازدهار بمجرد انتهاء العصور الوسطي وقيام الثوره الفرنسيه والتي وضعت حدا للنظام الملكي الوراثي، وما فرضه هذا النظام من جهل وتخلف اجتاح دول اوربا ، ولكن بمجرد سقوط هذا النظام بدأت اوربا في الازدهار والتطور في كافه المجالات .
وقد اكسب هذا التطور دول اوربا نوع من انواع القوه جعلتها تفكر في توسيع حدود دولتهم علي حساب البلاد الضعيفه المجاوره ، ونتيجه للظروف التي كانت تعيشها مصر في ظل الحكم العثماني وما وصلت اليه من ضعف ، اصبحت هدفا لفرنسا ودول اوربا ، بالاضافه الي الي اعتدال مناخ مصر وثرائها وغناها الذي سيجعل منها مصدر لامداد فرنسا بالمواد الخام التي ستقوم عليها الصناعه الفرنسيه ، وفوق كل هذا موقع مصر الاستراتيجي الذي سيمكن فرنسا من مواصله حروبها ضد انجلترا .
كل هذه العوامل ادت الي مجئ الحمله الفرنسيه الي مصر واصبحت مصر مصدر لاهتمام اوربا ، وسعت دول اوربا كثيرا لفرض سيطرتها علي مصر .
وقد تمكنت فرنسا في اواخر القرن الثامن عشر من القضاء علي دول التحالف الاوربي ( وقد كان السبب في هذا التحالف هو اعلان الدول الاوربيه الحرب علي فرنسا بعد اسقاط النظام الملكي الوراثي بها واعلان الجمهوريه ، حيث كان النظام الصسائد هو النظام الملكي وخاف ملوك اوربا علي حكمهم وبلادهم من قيام ثورات مماثله للثوره الفرنسيه ، واسقاط الملكيه لذلك قاموا بعمل تحالف ضد فرنسا للقضاء علي هذه الثوره ) ، ولكن فرنسا تمكنت من التصدي لهذا التحالف وتقضي عليه ، ولم يبقي من دول هذا التحالف سوا النمسا وانجلترا ، ولكن سرعان ما تمكن نابليون بونابرت من القضاء علي النمسا وعقد صلح معها ، ولم يعد امامه سوا انجلترا .
وقد قرر نابليون ان يقضي عليه بضربها اقتصاديا عن طريق الاستيلاء علي اكبر مستعمراتها في الهند ، ولكي يتمكن من تحقيق هدفه كان لابد ان يستولي علي مصر لتكون الخطوه الاولي في طريقه للاستيلاء علي الهند .
وكان من الممكن ان يقوم نابليون بتوجيه ضربه عسكريه مباشره الي انجلترا عن طريق البحر ، ولكنه ادرك فشل هذه الخطوه لان انجلترا تمتلك اسطول بحري قوي يفوق الاسطول الفرنسي ، وان دخول فرنسا معركه حربيه بحريه مع انجلترا فهي معركه فاشله ، ولذلك فكر نابليون في الاستيلاء علي مصر ومنها يستولي علي مستعمرات اجلترا في الهند ويتمكن من توجيه ضربه اقتصاديه الي انجلترا .
ولقد عرض نابليون فكرته علي الحكومه الفرنسيه ، ووافقت عليها وبذلك كان لمجئ الحمله الفرنسيه الي مصر اربع اسباب :
1. اخضاع مصر وتاسيس مستعمره فرنسيه مزدهره بها تمد فرنسا بالمواد الخام التي تحتاج اليها في الصناعه .
2. توجيه ضربه قويه الي بريطانيا العظمي بالاستيلاء علي اهم مستعمراتها في الهند .
3. خدمه العلم عن طريق وضع كتاب عن تاريخ مصر ، ووصف شامل لمصر .
4. وذكر البعض ان فرنسا قامت بهذه الحمله للتخلص من نابليون ، وخاصه بعد زياده نفوذه بشكل كبير ، ولكن لا يعقل ان تضحي فرنسا بجيشها واسطولها لمجرد التخلص من بونابرت.
ولقد اتخذت فرنسا حجه لمجيئها الي مصر وهي معاقبه المماليك الذين لم يستجيبوا لمطالب فرنسا بتسويه شكاوي التجار الفرنسيين في مصر .
ما هي وقائع الغزو الفرنسي لمصر
ابحر الاسطول الفرنسي سرا من ميناء طولون في يوليو عام 1798م متجها الي ميناء الاسكندريه ،وكانت الحمله تضم اربعين الف من خيره الجنود الفرنسيين الذين حاربوا مع نابليون في ايطاليا ، ولم تقتصر الحمله علي الجنود فقط ، وانما ضمت مجموعه من العلماء والباحثين الذين تملكهم حماس شديد لمرافقه نابليون الي مصر.
وبمجرد وصول الاسطول الي شواطئ الاسكندريه أصدر نابليون اوامره بسرعه النزول الي الشاطئ ، خاصه بعد ان علم بان اسطولا انجليزيا يتعقبه ، وقد نجح نابليون في الاستيلاء علي الاسكندريه وامر بسرعه تحصينها .
استعد نابليون للتوجه صوب العاصمه ، بعد ان اذاع علي اهل البلاد منشورا يحدثهم فيه عن صداقته بالسلطان العثماني ، وان حكم مصر سوف يكون ذاتيا بايدي المصريين ، وان نابليون ما جاء الا لمعاقبه المماليك علي ظلمهم.
ولكن هذا المنشور لم يؤثر علي المصريين في شئ ، فقد ظلت مقارمتهم للحمله طوال فتره اقامتها في مصر مستمره بلا انقطاع ، فقفد تصدي لهم اهل الاسكندريه بالعصي والاسلحه المتواضعه ، بينما كان المشايخ يجهرون بالدعاء علي المنابر وقد تصدي للحمله كل من بدو البحيره وأهل دمنهور والمماليك ، و لكنهم جميعا هزموا هزيمه ساحقه أمام الاسلحه الحديثه والتفوق العسكري.
ودخل نابليون القاهره في 25 يوليو 1798م ، وقد فر والي مصر وابراهيم بك الي الشام ، وفر مراد بك الي الصعيد ، وقد ارسل نابليون فرقه عسكريه لتعقبه ، وتمكنت بالفعل هذه الفرق من اخضاع الصعيد بعد مقاومه عنيفه ، ولكت هذا الاخضاع لم يستمر طويلا حيث كانت مدن مصر دائمه الثوره لانها رات في الفرنسيين أعدائهم في الدين .
كيف قاوم المصريين الغزو الفرنسي
كانت مقاومه المصريين في القاهره للحمله الفرنسيه اعنف بكثير من مقاومه اهل الريف نظرا لتوافر عنصر التنظيم بالاضافه الي مسانده شيوخ الازهر ، وقد تمتع الشيوخ بمكانه كبيره في النفوس ، كما توي أئمه المساجد تحريض الناس علي الثوره ، وقد كانوا جميعا منتظرين الفرصه المناسبه للقيام بثوره ضد الحمله .
وقد كانت الشراره الاولي لاشعال الثوره ما قام به نابليون حيث وضع مدافعه اعلي القلعه ووجهه فوهاتها الي المدينه ، كما قام بفرض ضرائب علي الاملاك والعقارات والمباني ، وعندما علم المصريين بذلك ثاروا ، وذهبوا الي بيت القاضي وطلبوا منه ان يذهب معهم الي نابليون ليلغي هذه الضرائب ،ولكن القاضي خاف وأغلق ابواب بيته في وجوه المصريين ، مما ادي الي زياده ثورتهم ورجموا منزله بالحجاره .
بعد ذلك اتجهت الجموع الثائره الي الازهر ، وفي طريقها تصدت لها الجنود الفرنسيين ، فاصتدم بهم المصريين وقاموا بقتل الجنرال (ديبوي ) حاكم القاهره ، ومعه سكرتير نابليون ، كما هاجموا مقر القياده الفرنسيه بالازبكيه ، وقد سميت هذه الثوره بثوره القاهره الاولي وقد كانت في اكتوبر سنه 1798م .
لكن القوات الفرنسيه تمكنت من محاصرتهم ومحاصره الازهر، وقامت بالقاء القبض علي خمسه من علماء الازهر سجنتهم ثم اعدمتهم ،وبهذا انتهت ثوره القاهره الاولي ، ولقد كان لدي المصريين امل في ان تتمكن القوات العثمانيه من التصدي لجنود الحمله ، ولكن ضاع هذا الامل حينما وجودوا العثمانيين يفرون امام الفرنسيين .
وقد تجددت ثوره المصريين مره اخري في ابريل سنه 1800 م ، وسميت هذه الثوره بثوره القاهره الثانيه ،وقام المصريين في هذه المره باحراق حاميه العريش ، والاستيلاء علي مستودعات الجيش في بولاق ، كما استولي علي مصانع الاسلحه والبارود ، وقد ظلت هذه الثوره مستمره الي ان قام الفرنسيين بضرب الحصار حول مدينه القاهره ، وقطع المؤن عنها وتجويعها ، كما قام باحراق بولاق لتدمي ما بها من مصانع للاسلحه .
ورغم استبسال الاهالي الا ان الحصار اضطر الاهالي الي انهاء الثوره مقابل رفع الحصار ، وقد طلبت منهم الحمله جلاء زعماء الثوره وعلي راسهم عمر مكرم مقابل انهاء الحصار المفروض علي القاهره .
وقد ظن الفرنسيين انه باخراج زعماء الحركه الوطنيه سوف تنطفأ ثوره الشعب ، ولكن ما هي الا ايام حتي قتل كليبر علي يد سليمان الحلبي ، وقد ظلت الثوره مستمره حتي خروج الحمله الفرنسيه من مصر
سياسه نابليون في مصر
ادرك نابليون منذ اللحظه الاولي ان وجوده بمصر لن يكن بالسهوله التي كان يتخيلها ، ولذلك بمجرد وصوله الي مصر اصدر مرسوما يعلن فيه انه لم ياتي بهدف الاحتلال ، وأنما جاء لمعاقبه المماليك علي ظلمهم واستبدادهم ، ولتاكيد صدق ادعائه اعلن صداقته للدوله العثمانيه ، وانه ما جاء الا لتحقيق العدل وأنهاء الظلم الواقع علي المصريين .
ولكن ما قام به الفرنسيين من تصرفات نفت تماما هذا الكلام ، حيث بدأ الفرنسيين في فرض ضرائب باهظه علي
المصريين مثلهم مثل المماليك والعثمانيين ، ولكن الفرق ان المصريين احيانا ما كانوا ينجحون في الافلات من الضرائب المملوكيه ، ولكن الفرنسسين لم يتركوا لهم ولو ثغره واحده لكي يهربوا منها ، فقد كانوا يعاقبون من يتهرب من الضرائب بابشع الطرق مثل الاعدام وحرق القري والمدن.
وكما ذكرنا ان هذه الضرائب الباهظه كانت سببا في ثوره المصريين وقيامهم بثوره القاهر ه الاولي ، ورغم ان نابليون تمكن من التصدي لها ، الا انه اضطر الي الاعتدال في تصرفاته منعا لاثاره المصريين مره اخري ، وخاصه بعد ما اصاب جيشه من فزع بعد ما لاقوه من مقاومه .
وقد ازداد موقف نابليون سؤا عندما علم بالهجوم الذي قررت الدوله العثمانيه القيام به علي مصر بتحريض من انجلترا ، لذلك قرر نابليون تهدئه الامور في مصر قبل تركه لها وتوجه الي الشام ليتصدي للهجوم العثماني .
وقد ترك نابليون حاميه في مصر موزعه بين الوجه القبلي والوجه البحري ، وأخذ بقيه الجيش وتوجه به الي الشام وكان ذلك في فبراير 1799م ، ولكن حمله نابليون التي اتجهت الي الشام فشلت فشل زريع نتيجه لقيام الاسطول البريطاني بامداد اهل عكا بالمساعدات والمعونات التي مكنتهم من التصدي لجيوش نابليون ، وخسر نابليون في هذه الحمله ما يقرب من ثلث جيشه .
وبعد ما لحق بجيوش نابليون من هزيمه عند اسوار عكا ، رجع الي القاهره ودخلها وكانه منتصر بعد ان منع بكل الطرق وصول خبر هزيمته علي اسوار عكا الي مصر ، ومثلما قدم الاسطول الانجليزي كافه المساعدات الي عكا ، قام ايضا بنقل 18 الف جندي عثماني الي مصر، ولكن جيوش نابليون تمكنت من التصدي لهم والحاق هزيمه ساحقه بهم ، وكان هذا في يوليو 1799 م ، وبهذ الانتصار استقر الحكم الفرنسي في مصر.
ولكن سرعان ما اضطر نابليون الي السفر الي فرنسا وكان ذك في اغسطس 1799 م، وترك قياده امور الحمله في يد القائد كليبر .
الحمله العسكريه بعد نابليون
اضطر نابليون بونابرت الي السفر الي فرنسا في اغسطس 1799 م ، وقد سافر لفرنسا سرا مع مجموعه من جنرالاته ، وترك الحمله تحت قياده الجنرال كليبر .
منذ اللحظه الاولي لمجئ الحمله الي مصر كان نابليون متابعا لاخبار فرنسا منتظرا اللحظه المناسبه للعوده اليها ليمسك بزمام الامور بها ، وفي اثناء اقامته بمصر علم بهزيمه فرنسا اما دول التحالف الاوربي ، وبحدوث فساد في نظام الحكومه ، وقد استغل هذه الظروف ليقوم بعمل انقلاب حكومي تمكن بعده من الامساك بزمام الامور بفرنسا ، واصبح هو القنصل العام بفرنسا .
بعد سفر نابليون الي فرنسا تولي امور الحمله كليبر ، وقد زادت احوال الحمله سوءا مما اضطر كليبر ان يرسل الي الحكومه في فرنسا ، ويصف لها احوال الحمله ، وذكر ان الحل الوحيد لانقاذ الحمله هو عقد صلح مع الباب العالي .
كما ان المسئول المالي عن الحمله الفرنسيه في مصر ارسل برقيه يصف فيها سوء الاحوال الاقتصاديه التي تعاني منها الحمله ، وقد وقعت صوره من هذه البرقيه ومن برقيه كليبر في يد انجلترا ، وادركت مدي الصعوبات التي تواجها الحمله الفرنسيه في مصر .
بعد سفر نابليون بونابرت الي فرنسا انقسمت الحمله الي فريقين ، الفريق الاول كان يراسه كليبر ومجموعه من الجيش ، وكان يفضل خروج الحمله من مصر ، اما الفريق الثاني بقياده الجنرال مينو فكان يفضل اكمال خطه الحمله الفرنسيه وتحويل مصر الي مستعمره فرنسيه ، ولكن نتيجه لتولي كليبر شئون الحمله قرر الخروج من مصر وعمل صلح مع الباب العالي لانهاء التواجد الفرنسي بمصر .
وبالفعل قام كليبر بعمل اتفاقيه مع الباب العالي في يناير 1800م هي اتفاقيه العريش ، وبناء عليها تعقد هدنه مدتها ثلاث شهور يبدا بعدها خروج الفرنسييه من مصر ، وبالفعل كادت الهدنه تعقد لولا تدخل القائد البريطاني ( سيدني سميث قائد الاسطول الانجليزي) والذي كان علي علم بسوء وضع الحمله في مصر ، وحاول استغلال هذا لاخراج الفرنسين من مصر علي انهم اسري حرب ، ولكن كليبر رفض هذا ولم يتم عقد الاتفاقيه .
بعد رفض كليبر اتفاقيه العريش لم يكن امامه سوا تثبيت موقف الحمله في مصر وذلك عن طريق القيام بعمل كبير ، وبالفعل تمكن من هذا بعد هزيمه العثمانيين في معركه عين شمس في مارس 1800م ، وفي اثناء المعركه قامت ثوره القاهره الثانيه ، وتمكن كليبر من التصدي لها ، ولكنه قتل بعدها بقليل علي يد سليمان الحلبي ، وقد بكته الحمله فقد كان يحبه الجنود علي عكس مينو الذي تولي شئون الحمله من بعده .
كان مينو من قدامي جنود الحمله ، وقد اهله هذا الي تولي شئون الحمله بعد مقتل كليبر ، وكان مينو يميل الي البقاء في مصر واكمال المخطط الفرنسي بتحويل مصر الي مستعمره فرنسيه مزدهره .
وقد نعم مينو في بدايه عهده بفتره سلام لمده تسعه لشهر حاول خلال هذه الفتره تثبيت دعائم الحمله الفرنسيه في مصر ،ولكن نتيجه للهجوم البريطاني العثماني تاذي تعرضت له مصر ، ولحق بالفرنسيين هزيمه ساحقه ، حدث بعد هذه الهزيمه خلاف بين قاده الحمله ما بين البقاء في مصر والخروج منها بعمل مفاوضات مع الباب العالي ، وخاصه ان هذه الهزيمه زادت من موقف الفرنسيين سوءا .
وقد بدا بعض الحنرالات في التخلي عن مينو ومنهم الجنرال ( بليار ) الذي انسحب بجنوده الي رشيد ومنها لفرنسا ، وبقي مينو في مصر ومعه حوالي عشره الاف جندي استقر بهم في الاسكندريه .
ولكن سرعان ما تمكن القائد البريطاني ( سيدني سميث ) من محاصره مدينه الاسكندريه ، ولهذا اضطر مينو الي قبول التفاوض وقبول الاستسلام ، وبالفعل عقدت معاهده الجلاء الفرنسي من مصر في سبتمبر 1801م ليتم جلاء كافه الفرنسيين من مصر بعد شهر من المعاهده .
وفي مؤتمر لندن الذي عقد بين بريطانيا وفرنسا تقرر تسليم حكم مصر للباب العالي وذلك في نوفمبر 1801 م.
الاهداف التي حققتها الحمله الفرنسيه بمجيئها الي مصر
لقد اقام الفرنسيين في مصر لمده ثلاث سنوات ( يوليو 1798 _ سبتمبر 1801 م) خلال هذه الفتره اشرف علي الحمله ثلاثه من القاده (نابليون _كليبر _مينو ) هذه الفتره القصيره لم تسمح لاحد منهم تحقيق ما يسعي اليه من اهداف نتيجه للظروف والاضطرابات التي شهدتها الحمله اثناء اقامتها في مصر .
فمنذ مجئ الحمله وهي تواجه صعوبات ومشاكل منها :
• قيام الاسطول الانجليزي بتحطيم الاسطول الفرنسي في ابي قير ، وقد ترتب علي هذا قطع الاتصال بين الحمله في مصر وبين القياده بفرنسا .
• قيام الانجليز بتشجيع العثمانيين علي التصدي للفرنسيين ، ومدهم بكافه المساعدات التي يحتاجوا اليها ، ولم يكن السبب في هذه المساعدات هو خوف انجلترا علي مصر ولكن خوفها من ان تتمكن فرنسا من الوصول الي الهند والاستيلاء عليها ، وبالتالي توجيه ضربه اقتصاديه الي انجلترا .
• المقاومه المصريه التي تعرض لها الفرنسيين في مصر
وقد كانت لكافه العوامل السابقه اثر كبير في الحاق هزه قويه بموقف الحمله في مصر ، وانقلاب الدوله العثمانيه علي فرنسا ، وخاصه ان نابليون كان يطمع في ان تايد الدوله العثمانيه وجوده في مصر بعد ان اعلن ان مجيئه الي مصر بهدف معاقبه المماليك ، واعلن ايضا صداقته للدوله العثمانيه ، ولكن كل هذا لم يؤثر في راي الدوله العثمانيه ، واعتبرت ان حمله نابليون علي مصر حمله استعماريه هدفها اخراج مصر من الحكم العثماني الي الحكم الفرنسي ، وخاصه ان مصر تعد اكبر ثاني ولايه تخضع للحكم العثماني .
ولقد صمم السلطان علي استرداد حكم مصر وخاصه مع خوفه ان تكون هذه الخطوه هي بدايه حركه اوربيه واسعه لتقسيم املاك الدوله العثمانيه ، ولذلك كان السلطان حريصا علي اعاده نفوذه في مصر وجلاء الفرنسيين عنها .
وهكذا نتيجه لعدم الاستقرار والظروف السيئه التي واجهت الحمله الفرنسيه في مصر بدايه من تحطيم الاسطول الفرنسي في معركه ابي قير ، ثم هزيمه بونابرت علي اسوار عكا ، بالاضافه الي المقاومه الداخليه والثورات التي قام بها المصريين ، ومقاومه المماليك ، كل هذه المشاكل لم تمنح الحمله الفرنسيه الفرصه لتحقيق اهدافها في مصر .
تاثر المصريين بالحمله الفرنسيه
لم تفلح الحمله الفرنسيه في تحقيق اهدافها العسكريه في مصر ، لكنها نجحت في لفت انظار العلم الي تاريخ وحضاره مصر القديمه ، كما لفتت انظار العالم الاوربي الي اهميه موقع مصر الاستراتيجي و مدي غناها وثرائها المادي ، كما وجهت انظار المصريين لاوربا والي التقدم العلمي الذي وصلت اليه اوربا ، مدي الجمود والثبات الثقافي الذي تعيش فيه مصر في ظل الانغلاق الذي فرضته عليها الدوله العثمانيه .
ولقد اثرت الحمله الفرنسيه بشكل كبير علي المجتمع المصري سواء علي الجانب السياسي او الثقافي اوالعلمي .
الجانب السياسي
عندما تمكن نابليون من الاستيلاء علي مدينه الاسكندريه ، اصدر مرسوم الي اهلها اوضح فيه القواعد السياسيه التي سوف يتبعها في حكم مصر ، وقد دعا المصريين في هذا المرسوم الي اطاعه اوامر نابليون والتعاون مع الحمله او علي الاقل عدم معارضتها ، كما وعد المصريين بان يشرك العقلاء والفضلاء في حكم البلاد ، وخاصه بعد ان تمكن من الاستيلاء علي مدينه القاهره وفر كل من الوالي العثماني وابراهيم بك الي الشام وفر مراد بك الي الصعيد كان عليه ان يشكل حكومه لاداره شئون البلاد .
وقد قام نابليون باصدار قرارات بموجبها تم تشكيل ديوان القاهره ، والدواوين الاخري الخاصه ببقيه الاقاليم ، وكانت جميعها تعمل مع الحاكم الفرنسي ن وقد اشرك نابليون شيوخ الازهر في هذه الدواوين ، ولم يكن الهدف من ذلك هو تدريب المصريين علي الحكم الذاتي ، ولكن نابليون كان يريد ان يستغل سلطه ومكانه رجال الازهر في تهدئه الامور في مصر .
وقد كانت هذه الدواوين التي شكلها نابليون تضم العلماء والمشايخ واعيان البلاد ، اما بالنسبه لديوان القاهره كان يتكون من تسعه اعضاء ينتخبون من بينهم رئيسا لهم ويختارون سكرتيرا من غير الاعضاء ، كما يتم تعيين اثنين من الكتبه والتراجمه .
اما بالنسبه لدواوين الاقاليم فكانت تتكون من سبع اعضاء يسهرون علي مصالح المديريه ويعرضون المشاكل والشكاوي علي القائد العام ، اما بالنسبه للسلطه التشريعيه فقد اقيم من اجلها الديوان الكبير وكان يتكون من 180 عضو كانوا من العلماء والتجار وزعماء الشعب بالاضافه الي مندوبين فرنسيين ، وكانت مهمته ان يسمع بونابرت اراء الزعماء في التطورات التي بيحدثها في الحكم او تعويد اعيان المصريين علي المجالس الشوريه في شئون البلاد ، لكن كل هذا كان بصوره ظاهريه ، ورغم ان الهدف الرئيسي من اقامه هذه الدواوين خدمه مصالح الفرنسيين ، الا انه اطلع المصريين علي نظم الحكم والاداره في العالم الحديث .
الصحافه
انشا الفرنسيين اول صحف في تاريخ مصر الحديثه حيث اسسوا صحيفتين فرنسيين :
1. كورييه دليجيبت : اي الجوانب المصريه ، وهي صحيفه سياسيه شبه رسميه تصدر كل اربع ايام في صفحات اربع وقد صدر منها 118 عدد.
2. لاديكاد اجيبسين : اي العشريه المصريه لانها كانت تصدر كل عشر ايام ، وهي صحيفه علميه اقتصاديه اختصت بنشر ابحاث المجمع العلمي .
3. التنبيه : كان من مخطط الحمله الفرنسيه اصدار صحيفه عربيه ، ولكن لم يقدر لها الظهور .
الجانب العلمي
اقام بونابرت مجمعا علميا في مصر مماثلا للمجمع العلمي الفرنسي ضم علماء الحمله الذين اتوا مع بونابرت ومجموعه من الضباط وكبار القاده ، وكان الهدف منه القيام بلالبحاث والدراسات العلميه والصناعيه والتاريخيه الخاصه بمصر ، ويقوم هذا المجمع بابداء رايه الي الحكومه فيما تستشيره من مسائل .
وقد قسم المجمع الي اربع اقسام :
*الرياضيات
*الطبيعيات
*اقتصاد سياسي
*الاداب والفنون
ورغم ان المجمع اساسا لم يقام لتعليم المصريين ، الا انه اهتم بدراسه تاريخ وحضاره مصر القديمه ، ودراسه موارد مصر الطبيعيه ، والربط بين الابحاث العلميه والجانب التطبيقي ، وقد كان لهذا المجمع اهميه كبيره في اطلاع المصريين علي جزء من الحضاره الاوربيه وتقدمها ، وقد اشاد بهذا الجبرتي والعطار .
الجانب الصناعي
ولقد قام الفرنسيين بانشاء عدد من المصانع المختلفه اغلبها حربي ، كما انشاوا المستشفيات وغير ذلك من المنشات الحديثه ، وقد كان كل هذا بهدف جعل مصر مستعمره فرنسيه مزدهره ، ولكن كل هذا انعكس علي المصريين ، ووضع المصريين علي اول الطريق الحديث .
الجانب الترفيهي
مثلما اهتم الفرنسيين بالعلم اهتموا ايضا بالجانب الترفيهي ، فقد قاموا بعمل اكشاك للموسيقي وملاهي ومن هذه الملاهي ملهي تيفولي في الازبكيه الذي ضم مراقص وقاعات للقراءه وبلياردوا ، واقاموا حفلات اشترك فيها الموسيقين والهواه والمهرجين ، كما اقاموا مسرحا يقدم المسرحيات الكوميديه والتراجيديه ، وقد قام الجبرتي بوصف كل هذا في كتاب له .
الخلاصه
ان مصر قبل مجئ الحمله الفرنسيه كانت مجتمعا منغلقا توقف فيه كل شئ تقريبا ( الحياه الفكريه والصناعيه والزراعيه ) ، واقتصرت العلوم علي الفقه والشريعه والحديث ، ولكن مجئ الحمله قام بتكسير الحصار الذي فرضه العثمانيين علي مصر ،واطلع المصريين علي جزء مما وصل اليه الغرب من تطور علمي وسياسي ، وكانت الحمله الفرنسيه بمثابه صدمه للمصريين ، ولقد استوعب احد العلماء وهو حسن العطار اختلاف الحضارات وعبر عنها في كتاب وجه فيه نقد للحكام المستبدين وانصراف العلماء الي المنفعه والمصلحه ، وقد اكمل تلميذه رفاعه الطهطاوي حركته ، ويعد رفاعه الطهطاوي اول مفكر مصري يظهر في مؤلفاته مدي تطور الغرب وتقدمهم .
وبذلك تعد الحمله الفرنسيه هي اول خطوه للمصريين علي طريق التطور والتحديث .
Thanks For Making This Possible! Kindly Bookmark and Share it.

Technorati Digg This Stumble Stumble Facebook Twitter
 

Post a Comment

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyright © 2011. تاريخ مصر - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger